الوجه الآخر لمنع تداول الدواجن الحية
محمود البرغوثي محمود البرغوثى الأرض
لا أحد يختلف على النتائج الإيجابية لتعميم بيع الدواجن طازجة (مبردة ومجمدة) في منافذ صحية نظيفة، دون أن يرى المشتري إدماءها و"نتف" ريشها بعينيه، لكن ثقافته تحتاج إلى تغيير جذري، وهذا الأخير يتطلب التوطئة والتعريف، وذلك بعد توفير كيان مالي عملاق لتمويل شراء 3.5 مليون دجاجة يوميا، لفترة 45 يوما، (نحو 8.5 مليار جنيه)، خلال الفترة المسموح السداد بعدها من سلاسل الإمداد.
اقرأ أيضاً
- صناعة الدواجن بلا أب شرعي
- جمعية تطوير صناعة الدواجن: السماسرة حققوا مكاسب كبيرة على حساب المربي والمستهلك
- حوار البيض و”الفشفاش”
- طبق بيض «يكسف».. واقتراح للبنك الزراعي
- تسريبات بيض المائدة
- الدواجن والبيض .. البروتين المظلوم
- مواصفة واجبة للدواجن واللحوم
- أرز ودجاج .. طبخة الحرب على أوكرانيا
- ”الأرض” تستغيث باتحاد منتجي الدواجن: وباء فيروسي يقضي على عنبر مربي دواجن فقير
- تعذيب صغار منتجي القمح
- الأرض تنعى الحاج عوض محمد العدل وتعزي أسرته
- القمح والدجاج على ميزان الأسمدة
مؤكد أن هذا الكيان المالي المرتقب، "نائم نومة الثعلب"، حيث يوفر القانون 70 لسنة 2009، والخاص بمنع تداول الطيور الحية، محفظة ائتمانية عملاقة، قد لا يقدر عليها بنك واحد، بل اتحاد بنوك مصر، وقد يتطلب الأمر الاستفادة من مبادرة البنك المركزي، وذلك لإقراض المجازر بفائدة ضئيلة، كون الائتمان سيكون موجها لخدمة الأمن الغذائي المصري.
والأمر كله يشبه عملة ثمينة ذات وجهين، أحدهما يعكس الصورة الحضارية لبلد خال من التلوث البيئي، وبيئة تساعد على تحجيم الأوبئة لخفض نسبة النافق، فيما يزدحم الوجه الآخر بالصور العتيقة المتوارثة عبر أجيال غابرة، ومنها: الصورة الراسخة في ذهن المستهلك المصري لدجاجة تمسكها الأيدي حية، ثم تقطع رأسها ذبحا أمام الأعين، ليسيل الدم، ثم التسمية "حلال الله أكبر باسم الله الرحمن الرحيم"، وغير ذلك فلا تطيب له مأكلا ولا مذاقا، فيضطر بحثا عن الدجاجة المستوردة، التي رسخت أسماءها التجارية منذ عشرات السنين، وتتسم بتغليفها المبهج، دون معرفة ما بداخلها من أسرار.
ومن بين قائمة الصور على الوجه الآخر للعملة الثمينة، تلك الخاصة بمحلات بيع الطيور الحية، والتي لم ينجح لها حصر حتى الآن، ويزيد عددها الجزافي على 20 أف محل، ويعمل بها ثلاثة أضعاف عددها من العمالة المتخصصة، إضافة إلى التجار الذين يحملون الدواجن من المزارع، بالاتفاق مع السماسرة الكبار، الممولين لعمليات الشراء من عنابر المربين "كاش"، وبسعر أقل من السعر المعلن يوميا في البورصة عادة.
الوجه الآخر من العملة يظهر أيضا العنابر العشوائية التي تنتشر في قرى مصر، وضواحي مدنها الكبرى، ويزيد عددها على 25 ألف عنبر، لا توجد بين أصحابها والمجازر أي علاقة تجارية، فيضطرون للبيع حسب حالتهم المالية، وحسب الحالة الصحية لقطعانهم، ولا سبيل أمامهم سوى البيع بالطريقة المتعارف عليها منذ أن خلق الله هذه الصناعة في مصر.
ولأنه لا يوجد تخطيط أو تنظيم لخريطة الصناعة، بحيث تتوزع المجازر بأنواعها ودرجاتها (اليدوية، نصف الآلية، والأوتوماتيكية) على مناطق التربية، فمن المؤكد أن نقل الدواجن حية، سيستمر دون أن يضرب بالقانون عرض الحائط، ولكن جبريا بالأمر الواقع، حيث لا يمكن أن تستوعب المجازر القديمة في الدلتا مثلا، أعداد الطيور الداجنة التي تتطلب البيع والذبح يوميا، وتقدر بما لا يقل أبدا عن 30% من إنتاج مصر، أي بنحو مليون دجاجة يوميا.
ولا تخلو الصورة الداكنة المتداخلة من لوجستيات التخزين المتاحة، والتي لا تكفي أبدا لتخزين وتداول 3.2 مليون طائر يوميا، بما يعني فرض التطبيق الجزئي والمرحلي للقانون 70، وكما هو معلن على القاهرة والجيزة، كمرحلة أولى، يجب أن يسبقها تجهيز محلات البيع وتحويلها إلى ثلاجات حديثة لعرض المجمد والمبرد المحليين.
ما يُخشى حدوثه، هو ترك العملية برمتها في أيدي الصدفة، لفتح فرصة جديدة أمام الانتهازيين من الأجهزة المختلفة، ومنها: رجال المحليات، وموظفي الأكمنة، الذين يحملون صكوك المرور لشحنات الدواجن الحية، التي تخرج من عنابرها بتصريحات أيضا مشكوك في سلامتها، وبأختام يحملها طبيب بيطري، يستعد حاليا لشحذ "أمواسه"، فيكيل الإتاوات جزافا، حتى يدمغ خطاب التنقل بخاتم "سليم وصحي وخال من الأمراض".